روائع مختارة | روضة الدعاة | السيرة النبوية | من أساليب التربية النبوية.. الحوار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > السيرة النبوية > من أساليب التربية النبوية.. الحوار


  من أساليب التربية النبوية.. الحوار
     عدد مرات المشاهدة: 3200        عدد مرات الإرسال: 0

 قد يمر الرسول صلى الله عليه وسلم في مكان فيرى أمرًا يستحق التعليق عليه، أو يسمع كلمة فيلقي الضوء عليها، فتكون هذه الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم عظة وعبرة تؤثر في نفوس أصحابه.

وقد يحاور أصحابه ليصل معهم إلى فكرة يثبتها في عقولهم، أو يرشدهم بها ويهذب نفوسهم، ويدلهم على طريق الخير الموصل إلى رضاء الله تعالى.

من ذلك ما رواه عمر الفاروق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَـبْيٍ، فإذا امرأة من السبي (الأسرى).

قد تحلَّب ثديها إذ وجدت صبيًا في السبي، فأخذته فألزقته ببطنها فأرضعته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  {أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه؟ قلنا: لا والله. قال: فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولدها.

وكثيرًا ما كان السبي في ذلك الوقت، وكثيرًا ما كانت النساء يفعلن ذلك بأولادهن، فهذا أمر عادي ألفه الناس، فهو جزء من حياتهم اليومية، ففقدوا بهذه العادة التلذذ بمعنى الأمومة والأبوة. . فنبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو المعلم العظيم - إليها فتذكروها، ثم قادهم إلى أهم من ذلك.

قادهم إلى حب الله إياهم ورحمته بهم، فإذا الله تعالى بقوته وعظمته وسلطانه ـ وهو ليس بحاجة إليهم ـ يحبهم هذا الحب الكبير، أفلا يستحق ـ سبحانه ـ أن يبادلوه حبًا بحب؟!

هم عبيده يحتاجونه في كل لمحة وحركة، في كل طرفة عين ونَفَسٍ، نواصيهم بيده، ماض فيهم حكمه، أفلا يتوجب عليهم أن يخلصوا في عبادته والإنابة إليه، والعمل بما يرضيه؟! .. إنها لفتة عظيمة من المعلم العظيم صلى الله عليه وسلم.

وهذا أحد أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبو حكيم ـ فيما يروي البخاري: يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحاوره قائلًا : يا رسول الله من أبرُّ؟  (يريد أن يكون من أهل الله الذين يبغون ثوابه ويخافون عقابه) . قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أمك.  (كلمة واحدة تعبر عن إرضاء الأم الكريمة ذات الفضل العظيم الذي لا يدانيه فضل، فالجنة تحت أقدامها) .

قال: قلت: من أبرُّ؟  (أي من أبرّ بعدها يا رسول الله؟ ) قال صلى الله عليه وسلم: أمك.  (إذن ففضلها كبير يا رسول الله، لا يدانيه فضل مهما علا وسما) .

قلت: من أبرُّ؟  (من في المرتبة الثالثة بعد الأولى والثانية المخصصتين للأم حفظها الله ورعاها؟ ) قال صلى الله عليه وسلم: أمك.  (الله أكبر، إنها كلمة كررها رسول الله تنبئ عن فضل الأم، فهي نبع الحنان ونهر الرحمة وسحائب الغفران، إرضاؤها خطير وإكرامها واجب كبير) .

قلت: من أبرُّ؟  (أهناك من أبره بعدها يارسول الله؟ ، هي في المقام الأول والثاني والثالث، هي باب الجنة ومفتاح الخيرات. )

قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أباك.  (فهو المربي والأسوة الحسنة لأولاده، يشقى لأجلهم ويتعب لراحتهم، رضاه من رضى الرب، وسخطه من سخط الرب إكرامه واجب وحبه لازب، أدخلهما الله جميعًا جنته في الفردوس الأعلى) .

ثم الأقرب فالأقرب إنه الدين العظيم الذي يدعو: إلى الإحسان والبر، وإلى التوقير والاعتراف بالفضل، والذي يدعو إلى صلة الأرحام، وبناء مجتمع المحبة والوئام. ).

والحوار الذي يقوم على طرح الأسئلة من الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه، أو من الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يثير الانتباه، ويحرك الذكاء ويقدح الفطنة، فتراهم يرتوون من حكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قالب من الاقتناع والحوار الهادف.

تعال معي لترى مصداق ما قلناه:

عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنهما ـ أن أباه أتى رسول الله ـ صلى اله عليه وسلم ـ فقال: إني نحلت (أعطيت) ابني هذا غلامًا كان لي.

قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أكلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟

قال: لا.

قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: فأرجعه. وفي رواية:  (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم) . وفي رواية:  (فلا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور أبدًا ) ، وفي رواية ثالثة:  (فأشهد على هذا غيري) .

ثم قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟

قال: نعم. قال: فلا إذن {متفق عليه، وهو في رياض الصالحين الحديث  341 .

حوار هادف وضح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن العدل بين الأبناء مطلوب، وأن البر بهم يؤدي إلى برهم بوالديهم، وأنه كما تدين تدان. كما وضّح الحديث أن على الإنسان ألا يشهد بغير الحق والعدل، وأن عليه تبصير الناس بأمور دينهم، وأن يكون الداعية عونًا لإخوانه على إرضاء الله عز وجل.

ومن الحوار الذي أثرى فيه الحديث عن فضيلة الصدقة والحث عليها، ما رواه عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟

قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه.

فقال صلى الله عليه وسلم: اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالك ما أنفقت ومال وارثك ما أخرت.

محاورة وضعت النقاط على الحروف بأسلوب مقنع واضح لا تعقيب عليه.

ومن الأحاديث التي بينت صغار الدنيا وهوانها على الله تعالى: ما رواه جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مر بالسوق... فمر بجدي أسكَّ (الأسك: مصلوم الأذنين ومقطوعهما) ميت، فتناوله بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟

قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء.  (أو ما نصنع به؟ )

قال: أتحبونه أنه لكم؟

قالوا: والله لو كان حيًا كان هذا السك عيبًا فيه، فكيف وهو ميت؟!

قال: فوالله؛ للدنيا أهون على الله من هذا عليكم.

أسلوب حواري عملي، يرى رسول الله جديًا ميتًا ، مقطوع الأذنين، تزكم رائحته الأنوف، يمسكه من إحدى أذنيه ويعرضه على أصحابه، أن يشتروه بدرهم، فيأبوا ذلك، وماذا يفعلون بجيفة قذرة؟ ولو كان حيًا وهو مقطوع الأذنين ما رغبوا فيه فكيف وهو ميت؟!

وحين يصلون إلى هذا القرار يعظهم الرسول صلى الله عليه وسلم، لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء. 

 الكاتب: عبدالملك القاسم

المصدر: منتديات لغاتي